كتب على الجنوبيين منذ الوحدة المشؤومة مع "الجمهورية العربية اليمنية" في ٢٢ مايو ١٩٩٠م، وبصورة أعقد وأشق منذ حرب ١٩٩٤م، أن يخوضون حروب الدفاع عن الجنوب واسترداد دولته، ليس فقط في الداخل، بل وفي الخارج أيضا.
في الخارج لا يهتم الكثيرون ولا يعملون إلا القليل السطحي عن الصراع والحرب المستمرة في "اليمن" بين الشمال (صنعاء) الذي يصر بكل الوسائل بما فيها العسكرية والأمنية على فرض الوحدة على الجنوب، الذي بدوره يرفض رفضا مطلقا البقاء في هذه الوحدة ويناضل بكل الوسائل المتاحة من أجل استعادة دولته المستقلة وعاصمتها عدن.
الكثير من الأجانب وحتى العرب لا يعلمون وبعضهم لا يريدون أن يعترفون أن هذه الدولة الهشة المسماة بالجمهورية اليمنية هي نتاج وحدة ارتجالية وقعتها قيادتا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) وعاصمتها عدن، الجمهورية العربية اليمنية (الشمال) وعاصمتها صنعاء في ٢٢ مايو ١٩٩٠م.
جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي الدولة التي حكمت الجنوب منذ استقلاله عن بريطانيا في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م.
أما الجمهورية العربية اليمنية (صنعاء) فنشات في عام ١٩٦٢ بعد الاطاحة بنظام الإمامي لإسرائيل حميد الدين الذي حكموا منذ تأسيس "المملكة المتوكلية اليمنية" عام ١٩١٨، والتي كانت قبل ذلك تحت الاحتلال التركي (العثماني).
بمعنى إن اليمن السياسي ظهر فقط عام ١٩١٨م.
بينما لم يعرف الجنوب هذه التسمية الا عشية الاستقلال عن بريطانيا عام ١٩٦٧م بسبب سيطرة حركة القوميين العرب على الجبهة القومية التي تسلمت الاستقلال من بريطانيا واتجهت نحو "يمننة" الجنوب.
الوحدة اليمنية لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات حتى دبت الخلافات بين الطرفين ، بعد انقلاب الطرف الشمالي على اتفاقية الوحدة الهشة واستبعاد الطرف الجنوبي من أي شراكة حقيقية في إدارة الدولة المفروض أنها "موحدة".
أصر الطرف الشمالي على فرض نظام صنعاء القبلي والثيوقراطي المتخلف على الجنوب الذي كان لديه نظاما قائما على سيادة القانون.
باندلاع حرب الشمال على الجنوب التي اعلنها الرئيس الشمالي علي عبدالله صالح في ٢٧ أبريل ١٩٩٤م واجتياح قوات الشمال للجنوب انتهت الوحدة عمليا التي أعلنت في ٢٢ مايو ١٩٩٠م وتحول الوضع في "الجمهورية اليمنية" إلى وضع احتلال عسكري قمعي للجنوب من قبل قوات الشمال.
لكن الجنوبيون لم يستسلموا لهذا الاحتلال، فقاوموه بالطرق السلمية الحضارية رغم القمع والقوة المفرطة المستخدمة من قبل نظام صنعاء ضد الاحتجاجات السلمية الجنوبية.
وتنامت حركة الاحتجاجات الجنوبية حتى بلغت ذروتها بانطلاق مسيرة الحراك الجنوبي السلمي عام ٢٠٠٧م الذي شمل كل مناطق الجنوب من محافظة المهرة شرقا وحتى باب المندب غربا.
في فبراير ٢٠١١م اندلعت انتفاضة شعبية في صنعاء ضد الرئيس علي عبدالله صالح اجبرته على التخلي عن السلطة لصالح نائبه عبدربه منصور هادي بموجب المبادرة الخليجية.
لكن جماعة الحوثيين المدعومة من إيران انقلبت بدورها على الرئيس هادي في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م بدعم من الرئيس الأسبق علي صالح الذي تحالف مع الحوثيين لاجتياح الجنوب مرة أخرى في مارس ٢٠١٥م... مما استدعى تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية.
كان هدف الحوثيين وحلفائهم في الشمال من اجتياح الجنوب مرة أخرى عام ٢٠١٥م هو القضاء على الحراك الجنوبي السلمي وإعادة احتلال الجنوب مرة أخرى.
لذلك قاوم الجنوبيون بدعم من التحالف العربي، قاوموا الحوثيين وتمكنوا من طرد الحوثيين والقوات الشمالية من معظم مناطق الجنوب...بينما ظل الحوثيون وما زالوا يسيطرون على الشمال.
لم يكتف الجنوبيون بتحرير الجنوب من الحوثيين، فحسب، بل شاركوا بفعالية في دعم المقاومة الشمالية ضد مليشيات الحوثي، إضافة إلى مكافحة تنظيمي داعش والقاعدة.
لكن الأحزاب الشمالية بما فيها التي تظللت بمظلة "السلطة الشرعية" لم تكن جادة في مقاومة الحوثيين، بل كانت ومازالت تعمل ضد المجلس الانتقالي الجنوبي الذي نشأ كموحد وقائد للحراك والمقاومة الجنوبية في ٤ مايو ٢٠١٧م كتتويج وخلاصة لمسيرة النضال الجنوبي بهدف تحرير واستقلال الجنوب عن نظام صنعاء.
والموضوع بقية
*باحث ومحلل سياسي وعسكري