لا بأس في أن يقوم الرسام برسم صورة شخصية لنفسه. سيكون ذلك أشبه بالاعتراف. حينها ينظر الرسام إلى وجهه بطريقة مختلفة كما لو أنه لم يره من قبل. من المؤكد أن رسم وجوه الآخرين أكثر يسرا من أن يقوم الشخص برسم وجهه. عليه أن يتعرف عليه من جديد باعتباره وجه شخص آخر.
الرسامة السعودية فاطمة النمر لا تكتفي برسم صورة شخصية. صورها الشخصية هي بمثابة مدخل إلى العالم الذي تود أن يلتحم المتلقي بتفاصيله الداخلية.
حين يُلحق العالم بالمرأة
ليست المرأة التي ترسمها النمر امرأة كل يوم. هناك طابع أسطوري يحيط بها بالرغم من عدم وجود أي شيء يوحي بالغرابة، عدا تلك العلاقات التي تقيمها الفنانة بين ما هو مرئي وما يمكن استحضاره من أفكار تنبعث من مفردات اللوحة التي هي جزء من الحياة اليومية.
علاقة مقلوبة وغريبة تتمكن الرسامة من إقامتها ليكون العالم تابعا للمرأة. وهي إذ ترفض أن تكون المرأة قضية، فإنها لا تقف ضد ذلك الكيان المتفرد الذي تمثله المرأة
ترسم الوجه، غير أن ذلك الوجه ممتلئ بكل ما يدعو إلى التفكير التأملي. وحين يختفي جزء من الوجه، تتحقق صدمة من نوع مختلف. هو ذلك النوع الذي يفسر رغبة الرسامة في مطاردة نسائها في مختلف حالاتهن.
ليست المرأة هنا كيانا جماليّا يُحاط بالغزل. هي تاريخها المشتبك بالأشياء الجميلة التي تحيط بها من كل جانب وتقيم علاقة جدلية معها. معادلة المرأة والعالم تتغير من لوحة إلى أخرى.
أحيانا تكون المرأة هي العالم، وأحيانا أخرى يتكامل الطرفان في ما بينهما، غير أن ما تحرص عليه الفنانة هو ألّا تكون المرأة جزءا خفيا من العالم. إنها أكبر من أن تكون جزءا فهي مصدر الحياة.
ترسم النمر المرأة كما يرسم الآخرون الحقول الشاسعة. المرأة بالنسبة إليها هي كل ما يمكن أن يُرى لكي يكون العالم موجودا. بمعنى أن الفنانة تتحقق من وجود العالم من خلال صورة المرأة.
لذلك يمكن القول إن علاقة مقلوبة تتمكن الرسامة من إقامتها ليكون العالم تابعا للمرأة. وهي إذ ترفض أن تكون المرأة قضية، فإنها لا تقف ضد ذلك الكيان المتفرد الذي تمثله المرأة.
وفي كل الأحوال، فإن المدخل الجمالي سيكون مناسبا للانتقال إلى عالم معرفي هو الذي تنفتح عليه الفنانة لتتعرف من خلاله على مفرداتها التي تستعيرها من الواقع.
جوهرتها الشخصية
صورها الشخصية هي بمثابة مدخل إلى العالم الذي تود أن يلتحم المتلقي بتفاصيله الداخلية
صورها الشخصية هي بمثابة مدخل إلى العالم الذي تود أن يلتحم المتلقي بتفاصيله الداخلية
ولدت في القطيف بالمنطقة الشرقية، ودرست الرسم في دورات فنية خاصة. في أولى تلك الدورات تعلمت المبادئ الأولية في نادي الفنون على يد المصرية سهير جوهري، ومن ثم درست العلاج عن طريق الفن في دبي، والتصوير الرقمي، وأخيرا تصميم المجوهرات وهو الفن الذي اختارته مهنة لها.
أقامت النمر ستة معارض داخل المملكة وخارجها، منها “الحب الأزلي” في العاصمة الأردنية عمّان و”شفرة المقام” و”كيان” في مدينة الخبر و”بقاء” في مدينة جدة، كما أقامت معرضا بعنوان “ريحانة” في البحرين.
منذ البدء كانت عيناها مصوبتان في اتجاه التراث الجمالي الذي سحرتها مفرداته، وفي الوقت نفسه أدهشتها قوة تماسكه وقدرته على مقاومة الزمن وتأثيره على الجمهور العريض من مختلف الأجيال، ذلك ما دفعها إلى تأمل محيطها ومحاولة استيعاب التفاصيل الصغيرة التي تتألف منها الأشياء الاستعمالية التي تمتاز بطابع جمالي. فكان السجاد بمثابة الكنز الذي انفتح أمامها لتدخل من خلاله إلى عالم غني بالإشارات الملهمة. فقررت أن تبدأ مغامرتها بالسجاد، لا باعتباره خلفية للمشاهد التي ترغب في رسمها عليه، بل لكي تحتويه وتشبك رؤاها به وتدخل إلى أعماقه وتبعث حيوية جمالية مختلفة في مفرداته.
كانت تلك فكرة تقنية ليس إلّا. قد يكون تنفيذها هو أكثر مراحل العمل الفني يسرا بالرغم من أنه يستغرق وقتا طويلا. أما الجانب الأكثر تعقيدا فإنه يتعلق بالكيفية التي تستطيع من خلالها الفنانة أن تحول أفكارها الذهنية إلى صور. وحين اكتشفت “المرأة” باعتبارها وسيطا بينها وبين وعيها الداخلي وبينها وبين العالم الخارجي، كانت قد بذلت جهدا كبيرا في دراسة تاريخها النفسي ومدى تأثرها بصورتها الشخصية.
ما حققته النمر في ذلك الجانب كان هو الشيء الأهم في العملية كلها. لقد اكتشفت نفسها واكتشفت المرأة وهي تقيم صلة جوهرية بالتراث كما لو أنها كانت حارسة عليه.
لم ترسم على السجاد إلا من أجل أن تخلق عالما تؤكد من خلاله إمكانية تعايش التضادات، وهو ما يؤكد نجاح المعادلة التي طرفاها التراث والمعاصرة. فهي لم ترسم المرأة لتزين بها السجادة بل لتواجه التراث بسؤال المعاصرة المتمرد. ذلك لأنها لم ترسم كائنات سكونية مستسلمة لقدرها الجمالي، بل رسمت كائنات متمردة معترضة على إلحاقها بالماضي.